| خبر الآحاد يحتج به في العقائد إذا احتفت به القرائن | |
أحسن الله إليكم يا شيخنا الفاضل ؛ وقع بيني وبين بعض الإخوة نقاش علمي في مسألة الاحتجاج بخبر الواحد في العقيدة، فذكرتُ له أن الراجح من أقوال العلماء هو أن خبر الواحد إذا احتفت به القرائن - مثل أن تتلقاه الأمة بالقبول أو أن يوجد في الصحيحين أو أحدهما، الخ. . . - يفيد العلم ويحتج به في العقائد، أما لو لم يكن كذلك فلا يحتج به في العقائد.
ونقلت له كلاما لابن تيمية في الموضوع - عن كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة للمحمود - وكلاما صريحا لابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة يقول فيه ؛ إن من ادعى على أحمد أنه يقبل خبر الواحد في العقائد مطلقا أنه يكذب عليه. ثم ذكرت له أن من أهل السنة من قد يقول بهذا القول - أي الاحتجاج في العقائد بخبر الواحد مطلقا - ولكنه مرجوح.
ولكن الأخ الذي أناقشه تبنى القول الآخر وقال: " أهل السنة يحتجون بخبر الواحد في العقائد مطلقا سواء احتفت به القرائن أولا ".
ولكنني لما طالبته بمثال على صفة من الصفات - على سبيل المثال - أجمع أهل السنة على إثباتها مع أنها واردة في خبر آحادي لم تحتف به القرائن، لم يستطع أن يأتيني بمثال واحد. فما فصل الكلام في هذه المسألة ؟ مع الإحالة على بعض المراجع التي تطرقت لهذه القضية.
أفتونا بتفصيل والله يثيبكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
وبعد :
أخي الطيب :
ما ذكرته هو الصواب، وأن الحديث ينبغي أن يكون صحيحا على طريقة الأوائل وهو ما قلته عن القرائن، وأما ما صححه المتأخرون على طريقتهم وعلى خلاف ما حكم الأوائل به على الحديث من ضعف فلا ينبغي الإلتفات إلى تصحيحهم أولا ولا يحتج به في العقائد ثانيا.
هذا هو معنى قولهم: " تلقته الأمة بالقبول " ؛ وهو من معنى قولهم: " واحتفت به القرائن ".
أما أن يأتي المتأخرون - على طريقتهم - في تصحيح المنكرات وما حكم الأئمة بنكارته وشذوذه فيصححوه ثم يجعلونه حجة في العقائد فليس هذا هو الصحيح ولا منهج المتقدمين.
نعم لم يكن هذا الشرط عند الأوائل - أعني؛ أن تتلقاه الأمة بالقبول، وأن تحتف به القرائن - لأنهم كانوا على منهج سليم في التصحيح والتضعيف، وكانوا في هذا الباب على نور واضح، لكن صار الأمر للأسف إلى قوم يعدون كثرة الأسانيد مطلقا مشعرا بالثبوت، حينها كان لا بد من هذا القيد، ولذلك رأيتهم قالوا: " كأن يكون في الصحيحين "، وهذا يدل على أن هذا القيد متأخر عن الأوائل كشعبة وعبد الرحمن بن مهدي وابن المبارك ومالك وأحمد وابن معين واسحق وابن عيينة ومن هو على طريقتهم كصاحبي الصحيح.
ومن اطلع على تصحيح السيوطي والمناوي والألباني مثلا، ثم فقه طريقة السلف في التصحيح ونقد المتون علم صدق ما أقول، وأنهم - أي المتأخرون - يعمدون إلى المنكرات وما حكم الأئمة بغلطه فيجعلونه شاهدا للضعيف فيحكمون على الضعيف بالصحة أو الحسن ثم يجعلون الحديث حجة في العقيدة وغيرها، وهذا غلط على طريقة السلف في التصحيح، وهو الذي أوجب على المتأخرين أن يذكروا هذا القيد.
على كل :
ما ذكرته أنت هي طريقة من علم الفرق بين المتأخرين والمتقدمين في التصحيح كابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن كثير وابن الصلاح والشيخ شاكر، وما ذكره صاحبك هو طريقة من قال من المتأخرين بالاحتجاج بالحديث في العقيدة ولم ير التفريق كابن حزم والألباني ذلك أن المتأخرين من الأصوليين مالوا إلى عدم اعتبار الحديث الصحيح في العقائد ما دام من حديث الآحاد.
فالطريقة بينك وبين صاحبك لرفع الخلاف هو أن تتفقا على عدم قبول حديث صححه المتأخرون وحكم السلف من جهابذة الحديث على غلطه ورده، حينها تتفقان على القول أن الحديث ما دام صحيحا هو حجة في دين الله تعالى, ويكون تصحيح الأئمة هو القيد الذي قاله المتأخرون: " ما احتفت به القرائن وما تلقته الأمة بالقبول ".
ثم هناك مسائل أخرى في هذا الباب لا أقدر على تفصيلها هنا.
والله الموفق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق